نبذة عن كتاب “الشمائل المحمدية” للترمذي
يعتبر كتاب “الشمائل المحمدية” للشيخ الإمام الترمذي من أهم الكتب التي تناولت سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وركزت بشكل خاص على وصفه صلى الله عليه وسلم من مختلف الجوانب، بدءًا من شكله وملامحه الظاهرة إلى سلوكياته وأخلاقه التي امتاز بها، والتي كانت نموذجًا يحتذى به لكل مسلم. هذا الكتاب، الذي يعد من أعظم الكتب التي أُلفت في مجال السيرة النبوية، يحتوي على مجموعة من الأحاديث التي تبين صفات النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف نواحي حياته، مما يعكس عظمة شخصيته وسمو أخلاقه.
مفهوم “الشمائل المحمدية”
تعتبر كلمة “الشمائل” في اللغة العربية مشتقة من “الشمائل” بمعنى الصفات أو الخصائص المميزة، و”الشمائل المحمدية” تعني الصفات المميزة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم التي تمثل أكمل وأفضل نموذج إنساني عرفه التاريخ. وهي تشمل الأبعاد الجسدية، الروحية، السلوكية، والخلقية للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن كتاب “الشمائل المحمدية” يعتبر من أمهات الكتب في السيرة النبوية التي جمعت هذه الصفات وأظهرتها.
هدف الكتاب
يهدف الترمذي من خلال كتاب “الشمائل المحمدية” إلى تقديم صورة متكاملة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، تتسم بالدقة والواقعية، حيث ينقل للمسلمين كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في مظهره وجوهره. يساهم الكتاب في تعزيز حب المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم من خلال معرفة خصائصه الجسدية والروحية وسلوكه اليومي مع الصحابة والناس. كما أنه يشجع على اتباع هذا النموذج المضيء في حياتنا اليومية.
محتوى الكتاب
يتكون كتاب “الشمائل المحمدية” من عدة فصول، وقد جمع فيه الترمذي الأحاديث التي تتعلق بجوانب مختلفة من شخصية النبي صلى الله عليه وسلم. في هذا الكتاب، لا تقتصر الأحاديث على الوصف الجسدي فحسب، بل تشمل أيضًا الجوانب النفسية والسلوكية، مثل تواضعه، حلمه، عدله، رحمته، صبره، وعفته. وهذه الصفات كانت حجر الزاوية في دعوته، التي انتشرت بفضل هذه الأخلاق الحميدة التي جسدها النبي في حياته.
بعض الصفات الجسدية للنبي صلى الله عليه وسلم
من أبرز الأحاديث التي وردت في كتاب “الشمائل المحمدية” هي تلك التي تتعلق بمظهر النبي صلى الله عليه وسلم. كان النبي صلى الله عليه وسلم جميل الهيئة، حسن الوجه، عظيم الجبهة، واسع الجبين، وكان شعره طويلاً، وكان يعتني به بشكل كبير. لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم طويلاً جدًا ولا قصيرًا جدًا، بل كان في الوسط. كانت يديه وشعره لا يختلفان عن غيره من الناس، لكن مع ذلك كان له بريقٌ خاص في ملامحه يظهر عظمتَه ووقاره.
ومن بين الأوصاف الجسدية التي وردت في الكتاب أيضًا، وصف عينيه التي كانت سوداء وواسعة، وجسمه الذي كان متناسقًا وقويًا، ووجهه الذي كان مستديرًا. هذه الصفات الجسدية قد تتسبب في إعجاب الإنسان بمظهر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المؤلف يركز أكثر على أن جماله الحقيقي يكمن في أخلاقه وصفاته الروحية.
الشمائل الروحية والسلوكية للنبي صلى الله عليه وسلم
إلى جانب وصفه الجسدي، يركز الترمذي على الشمائل الروحية للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها رقة قلبه، وحنانه على الناس، وشفافيته، وكذلك سماته القيادية التي جعلت منه قائدًا عظيمًا في تاريخ البشرية. كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الجميع بروح من التواضع والاحترام، كان يُعَظِّم الصغير ويُحترم الكبير، ويظهر للناس سلوكًا أخلاقيًا راقيًا في كل مواقف حياته.
من بين الصفات الروحية التي تناولها الترمذي، كانت “حلم النبي صلى الله عليه وسلم”، فالنبي كان متسامحًا ولا يتسرع في اتخاذ القرارات التي قد تُغضب الآخرين. ومن أمثلة ذلك أنه كان يصفح عن من أساء إليه، بل كان يظهر لهم الرفق والرحمة.
كذلك، يورد الكتاب الأحاديث التي تصف “تواضع النبي صلى الله عليه وسلم”، فقد كان يعيش حياة بسيطة رغم مكانته العالية، حيث كان يلبس الثياب البسيطة ويتناول الطعام المعتدل، ولا يفرق بين نفسه وبين أتباعه.
أما عن “عدل النبي صلى الله عليه وسلم”، فقد كان حريصًا على أن يظل على مسافة واحدة من الجميع، سواء كانوا من الصحابة أو من غيرهم، لا يفضل أحدًا على آخر في معاملة الناس، وكان يوزع أوقاته وحكمه بلا تمييز أو محاباة.
أهمية الكتاب في علم الحديث والسيرة
كتاب “الشمائل المحمدية” يُعد من أهم المراجع في علم الحديث والسيرة النبوية. يعكس هذا الكتاب نظرة عميقة للتراث النبوي من خلال جمع الأحاديث التي تُظهر شخصية النبي صلى الله عليه وسلم بكل جوانبها، ما يعزز الفهم الصحيح للسيرة النبوية ويُحسن من سلوكيات المسلم في الحياة اليومية. لذا فإن هذا الكتاب يعتبر مرجعًا لا غنى عنه لكل من يرغب في دراسة السيرة النبوية بشكل مفصل ومتقن.
إن تناول الترمذي لهذه الشمائل لا يتوقف عند حدود الوصف الخارجي أو التنويه بالأخلاق الفاضلة فحسب، بل يتعدى ذلك ليعكس منهجًا عمليًا ينبغي اتباعه، إذ يشير إلى ضرورة الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في سلوكه وأخلاقه.
نهج الإمام الترمذي في جمع الأحاديث
اعتمد الإمام الترمذي في جمع الأحاديث الخاصة بالشمائل المحمدية على مجموعة من المصادر التي تثق في صحتها ودقتها، مستندًا إلى تقنيات علمية دقيقة في التثبت من صحة الأحاديث. لذلك يمكن القول إن “الشمائل المحمدية” للترمذي لا يُعتبر فقط كتابًا في السيرة النبوية، بل يُعد مرجعًا علميًا مهمًا في علم الحديث.
خاتمة الكتاب وأثره
على الرغم من أنه لا يحتوي على ختام مفصل، فإن كتاب “الشمائل المحمدية” يكمل ما بدأه الترمذي من مهمة في تبيان صفات النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يترك الكتاب للمسلمين فرصة كبيرة في الاقتداء بهذا المثال النبوي، ليس فقط في الشكل الخارجي، ولكن في كافة جوانب حياتهم اليومية. كما يظل هذا الكتاب أحد أوسع وأدق الكتب التي تناولت شخصية النبي صلى الله عليه وسلم.
